بحث خاص / محمد ابوسليم
معظم أدبيات التنمية تُجمع على أن التعليم هو قلب
التنمية وصلبها وأن نجاح التنمية في أي مجتمع يعتمد كثيراً على نجاح النظام التعليمي
في هذا المجتمع، والتعليم مفتاح التقدم وأداة النهضة ومصدر القوة في المجتمعات .
ويعتبر التعليم
والتنمية وجهين لعملة واحدة فمحورهما الإنسان وغايتهما بناء الإنسان وتنمية قدراته
وطاقاته من اجل تحقيق تنمية مستدامة بكفاءة وعدالة تتسع فيها خيارات الحياة أمام الناس.
ويعدّ التعليم
من أهم روافد التنمية وعناصرها المختلفة فالمجتمع الذي يحسن تعليم وتأهيل أبنائه ويوفر
الموارد البشرية القادرة على تشغيل وإدارة عناصر التنمية، يساهم في بناء مجتمع قوي
سليم يسوده الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي والاقتصادي.
من هنا ندرك أن
هناك علاقة وثيقة بين التعليم والتنمية المستدامة والتي تمثل (التنمية الاقتصادية،
والتنمية الاجتماعية والتنمية البيئية)، لا تستطيع التنمية أن تحقق أي خطوة إلا إذا
توفرت القوى البشرية المؤهلة، وبالتالي فإن عملية التعليم أو التعلّم بالأحرى هي أساس
عملية التنمية المستدامة.
ويؤكد الخبراء
والمختصون بأن إدارة التنمية المستدامة، وهنا نذكر"التنمية البيئية" وقضايا
الطاقة (الطاقة المتجددة والغير متجددة)، لابد من أن تأخذ الجامعات دورها في البحث
العلمي وتخريج أفواج قادرين على أن يديروا عملية الطاقة والبحث المستمر عن بدائل لهذه
الطاقة وإلا لن تكون هناك تنمية مستدامة عندما تنفذ مصادر الطاقة في المستقبل .
عندما نتكلم عن
"المجتمع"، يدور في الذهن بعض أسئلة مثل ما هي الوسائل لتوفير فرص عمل؟ و
طريقة القضاء على البطالة المتفشية بالمجتمعات العربية؟ تأتي الإجابة بأن التعليم والتعلم
هو السلاح الأقوى للقضاء على هذه المشاكل التي تؤرق المجتمعات العربية خصوصاً والعالم
عموماً، وأيضاً لتنمية المواهب والقدرات وشحذ الهمم والأفكار والنهوض بالموارد البشرية
التي تستطيع أن تفي باحتياجات العمالة المناسبة للخريجين من الجامعات والمعاهد المختلفة
، ولا بد من الإشارة هنا إلى مفهوم الاقتصاد المعرفي (Economy)
ومفهوم (E Society) أي المجتمع الاقتصادي الذي يقوم على
المعرفة والعلم .
وعلى ضوء ما تقدم
فعملية التعليم والتعلم لها ارتباط وثيق الصلة بالتمنية المستدامة وهي استثمار بالبشر
وللبشر، وقد ساعدت بحوث اقتصاديات التعليم على تحول جذري في الفكر التنموي التعليمي
الذي يركز جل اهتمامه على تنمية قدرات البشر واعتبار التعليم هو محور التنمية الحقيقة
وأداة تنمية قدرات البشر .
ويتضح لنا كيف
أن التعليم هو الذي دفع بالإنسان إلى صلب العملية التنموية وجعله المكون الأهم في معادلة
التنمية ورفع شعار" لا تنمية بلا بشر "، أي انه لا يمكن الاستغناء عن العنصر
البشري في الإنتاج وفي النمو الاقتصادي، وإن الاستثمار في رأس المال البشرى هو أحد
أكثر الوسائل فعالية للحد من الفقر وتشجيع التنمية المستدامة.
تقول حكمة صينية
: إذا أردت الاستثمار لعام واحد فازرع الحنطة وإن أردت الاستثمار لعشر سنوات فازرع
شجرة ولكن إن أردت الاستثمار مدى الحياة فازرع في الناس.
لذلك يجب أن نهتم اهتمام كبير ومباشر بقضية التربية
والتعليم والتدريب والتطوير حتى نحقق أهداف الأمة العربية والإسلامية بتنمية حضارية
شاملة مستدامة .
بعد التأكيد على
علاقة التعليم بالتنمية وتأثير المنظومة التعليمية الجيدة ببناء نهضة وتنمية مستدامة
وحضارية راقية، ثمة أمور لا بد من الإشارة إليها في ارتباط وصلة بالتعليم بالتنمية،
سنذكر في البداية الاستثمار في التعليم والذي يعد مدخلا عاماً للتنمية المستدامة لا
بد منه.
وسنلقي الضوء على مستقبل التعليم وطموحاته في المجتمعات العربية، ونختم بواقع
التعليم في المجتمعات العربية ونبين الأزمة القائمة بين التعليم والتنمية المستدامة
المطلوبة وما هي خطوات الحصول على مخرجات تعليمة قادرة على صنع تنمية مستدامة تغير
من واقع الحال .
الاستثمار في التعليم
مدخل للتنمية المستدامة :
في مجتمعاتنا العربية
يبرز مظهر التخلف الاقتصادي والاجتماعي في ضعف الإمكانات المادية وانخفاض مستوى القدرات
البشرية الضرورية في إحداث التنمية ، ويعد التعليم المطلب الأساسي والضروري لتحقيق
التنمية المستدامة ، وان الاهتمام بتكوين الإمكانات والمهارات البشرية عن طريق التعلم
والتدريب بهدف اكتساب المهارات والقدرات اللازمة للنهوض بالعملية التنموية والتي من
خلالها يستمد النمو الاقتصادي قوته وحيويته ، فالشخص المتعلم لا بد من أن يكون منتج
ويساهم في عملية التنمية .
ومن منطلق أهمية
التعليم في صنع الحضارة وبناء الإنسان لا بد أن يحظى قطاع التعليم باهتمام كبير، وان
توضع أسس وخطط انطلاقة النهضة التعليمية بمعطياتها ونتائجها سواء من حيث النوع والكمّ .
ويشكل التعليم
محوراً أساسيا لكافة الخطط التنموية، كما انه ركيزة مهمة من مرتكزات التنمية المستدامة،
بالإضافة إلى المهام الرئيسية الأخرى المرتبطة بالجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية .
وبتعريفنا لمفهوم ""الاستثمار في التعليم" ودوره في التنمية فهو من أولويات وأساسيات التنمية الشاملة المستدامة
الصحيحة.
إن مشاريع الاستثمار
في التعليم النظامي والذي يشمل( التعليم الأساسي، الثانوي، الجامعي) والتعليم الغير
نظامي (التدريب ومحو الأمية)، لا يمكن أن تنجح إلا إذا توفرت لها البيئة الملائمة والمحفزة
إلى زيادة التعليم كالاستقرار الاقتصادي
والاجتماعي والسياسي.
وفي ضوء بحثنا
عن دور الاستثمار في التعليم وتكوين رأس المال البشري، تظهر توليفة عامة تبين أهمية
الاستثمار في التعليم ودوره الرئيسي في تحقيق النمو الاقتصادي وتخفيف الفقر وبالتالي
الوصول إلى التنمية الشاملة المستدامة .
ولتحقيق نمو اقتصادي
والقضاء على الفقر يأتي الاستثمار في الموارد البشرية من خلال التعليم جزء هام وأساسي في بناء قدرات ومهارات بشرية فعالة في المجتمع .
و"يمثل الحرمان
من التعليم، أول مراحل الحكم على البشر بالفقر، ويميل هذا الحرمان ليكون أقسى في حالة
النساء والأطفال، ومن المؤكد أن قلة التحصيل التعليمي، ورداءة نوعيته، ترتبط بقوة بالفقر".
وفي معرض دراستنا
لدور وعلاقة المجتمع مع المؤسسات التعليمية وتضافر جهود المؤسسات التعليمية في كافة
مراحلها على تحقيق التنمية البشرية في المجتمعات على نحو يصبح الفرد وسيلة وهدف التنمية
في الوقت نفسه.
وفي واقع الحال
تظهر حقيقة الصلة بين الخطة التربوية والتعليمية والخطة الاقتصادية بأنها تكاد تكون
مقطوعة، نظرا لضعف التواصل بين حاجات التربية والتعليم من جهة وحاجات التنمية الاقتصادية
من جهة أخرى، وهي بمواصفاتها الحالية عاجزة عن ربط المدرسة بسوق العمل، حتى مدارس التعليم
الفني القائمة لم تستطع تلبية احتياجات سوق العمل، وذلك لضعف المستوى العملي لخريجيها،
وهو ما يجعل المدرسة بواقعها الحالي عاجزة عن إعداد الناشئة إعدادا جيدا لسوق العمل،
والذي ينعكس سلباً على التنمية بشكل عام.
وقد توقعت دراسات
وأبحاث سابقة أن يكون هناك تأثير تعليمي إيجابي على النتائج الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل،حيث أكدت
هذه الدراسات على العلاقة الايجابية بين التعليم الجيد والتنمية المستدامة.
مستقبل التعليم
والتنمية المستدامة :
على هامش مؤتمر
أقامته مؤسسة الفكر العربي يعنى بالتعليم ودوره في التنمية عام 2010م في بيروت قال الأمير خالد الفيصل: "إن التنمية البشرية
التي هي قوام التنمية المستدامة هي بالدرجة الأولى مسؤولية النظام التربوي والتعليمي،
الذي ينبغي أن يتحمل مسؤولية التنمية المعاصرة والنهوض ـ في جهد جماعي ـ بمستقبل الأمة"
.
في السياق العام
للحديث عن مستقبل التعليم ودوره في التمنية المستدامة تطرح العديد من الأسئلة منها :
1) ما هي رؤيتنا لأنفسنا
في حاضرنا ومستقبلنا وفي عصر العولمة؟ وما هي طموحاتنا تجاه فرص العولمة وتحدياتها
ومكانتها، وهل سنكون في ركب القيادة أم من الدول التابعة؟ وكيف سنرى مستقبل الأجيال
القادمة؟ وما هي التوجهات والخيارات لجعل الأجيال القادمة قادرة على النهوض ببلدانهم؟
2) وضع رؤى واستراتيجيات
واضحة للأجيال التي تلينا هي محور ارتكاز الاستدامة في النمو الذي نصبو إليه، في عصر
تكّمن تحدياته في تعليم الشباب وتأهيله، والتأسيس لدور هذا الشباب في إخراج المجتمعات
العربية من حالة التهميش الاقتصادي والمعرفي والسياسي .
3) لن يكون هناك تنمية
مستدامة إلا بقيادة الإنسان نفسه للتنمية الشاملة، هذا ما يؤكد عليه الخبراء والمختصون،
من هنا يأتي التحدي التعليمي، وستكون الاستراتيجيات التي نسعى من خلالها لتحقيق طموحاتنا
موجهة للدور الذي يضطلع به التعليم في إحداث تنمية شاملة.
ندرج بعض الاستراتيجيات
التي من شأنها الرفع من سوية التعليم التنموي :
- مستقبل التعليم والتركيز على التخطيط والرؤى، فتكون نوعية التعليم تواكب التحولات والمستجدات العالمية.
- تعميم التعليم وتكافؤ الفرص.
- محفزّة للحراك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
- احتضان الكفاءات والبحث العلمي ذو النوعية العالية.
- التعلّم المستمر مدى الحياة.
- صقل المواهب والمهارات بتقنية المعلومات في عالم المعرفة.
- بناء القدرات وامتلاك أدوات الابتكار.
ومن هنا إن كانت
مخرجات تعليمنا قادرة على التعامل مع تحديات العصر ومتطلباته المتجددة وعلى المنافسة
في اقتناص فرص العولمة، ومواكبة المبتكرات العلمية والتكنولوجيا، يومئذ نقطف نتائج
وثمار جهد التعليم في تحقيق النقلة النوعية والجذرية التي تهدف إليها التنمية الشاملة
المستدامة .
أزمة التعليم والتنمية
المستدامة:
في خضم التأكيد
على أهمية التعليم ودوره الهام والرئيسي في التنمية المستدامة والإشارة إلى أن الاستثمار
في التعليم مدخل ضروري للتنمية ، والتأكيد على مستقبلية التعليم التنموي المستدام وحفظ
حقوق الأجيال القادمة ، لا بد من إن نتطرق إلى أن هناك على ارض الواقع أزمة واضحة بين
التعليم من جهة والتنمية المستدامة من جهة أخرى، وما توصيف هذه الأزمة ومن المسئول
عنها؟
إن البحث في
" أزمة التعليم والتنمية المستدامة " يبين إن الأزمة قائمة على الجانبين،
وعلى العلاقة بينهما - المتمثلة في التنمية الإنسانية، التي تستند بالضرورة إلى العلم
والتعليم، باعتبارهما عماد التقدم ؛ فلا "التعليم" القائم تعليم عالي ؛ ولا
" التنمية " الجارية مستدامة، أو إنسانية كما يؤكد كثير من الباحثين .
يذكر مدير الجامعة
اللبنانية د. مجدي حماد أن ( الأزمة ليست " أزمة موارد مالية" وإلا لكانت
المجتمعات العربية النفطية قد تغلبت عليها، بل إن " عقلية الشراء " السائدة
في بعضها، نتيجة لهذه الوفرة الطارئة، قد تكون جزءاً من " الأزمة " لا من
" الحل ") .
للتوضيح نعرض نموذجين
مثالاً على ذلك :
النموذج الأول :ما نشر عن قائمة أهم (500) جامعة
في العالم، التي تضمنت (7) جامعات إسرائيلية، ولم تكن بينها أية جامعة عربية، ليست
هذه" الحقيقة " وحدها المؤلمة، إنما ما سطّره أحد كبار الأساتذة على صفحات"
جريدة الأهرام " بشأن الشكوى من المعايير المستخدمة في التصنيف ؛ ثم إن التصنيف
ينصب على شق واحد من مهام الجامعات وهو البحث العلمي بينما إذا تم تجريد الجامعات من هذه المهمة تتحول
إلى "مدارس ثانوية"!.
النموذج الثاني : إذ يعبر تعبيراً دقيقا عن" الأزمة"
وعن خطورة " عقلية الشراء"، بعد هزيمة عام 1967 دفعت أحد " الزعماء
العرب" من أهل الخليج العربي إلى طرح السؤال الآتي على "جمال عبد الناصر"
: كم يبلغ ثمن القنبلة النووية؟! كان يطرح السؤال باعتباره يسعى إلى تقديم " الحل
النهائي " للصراع العربي – الإسرائيلي"، مرة واحدة وإلى الأبد ! .
إن أزمة التعليم
من منظور التنمية المستدامة ، ومن أي منظور آخر أيضا، تتجسد في ثلاثة أبعاد أساسية
متكاملة ومترابطة :
1) فلسفة التعليم
العالي، التي تحدد هدف العملية التعليمية : هل الهدف هو تخريج متعلمين، أم مثقفين،
أم باحثين ومشروع علماء، بناءً على ذلك كيف يتم تحديد التخصصات – النظرية والعلمية
والتطبيقية- واختيار مناهج التدريس.
2) المنظومة التعليمية
والعلمية المتكاملة، التي تشمل التعليم بكافة مراحله وأنماطه : عام وعالٍ، مهني وفني،
إلى جانب البحث العلمي والتطوير والتكنولوجيا،
والتأكيد على أهمية هذه المنظومة التعليمية والعلمية المتكاملة.
3) المنظومة المجتمعية،
بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تحدد كلاً من فلسفة التعليم
العالي، والمنظومة التعليمية والعلمية المتكاملة.
ونختم بالقول إن
كانت هناك رغبة في إنجاح التنمية الشاملة المستدامة وردم الفجوة العلمية والنهوض بالمستوى
العلمي لمخرجات التعليم في الجامعات علينا أن نعزز بعض الأمور على سبيل المثال:
- تعميم التعليم والإهتمام بجودته ومضمونه ومعايير قياسه.
- الاهتمام بالتدريب العلمي والتكنولوجي والتطبيقي، وبالتدريب المستمر وخلال العمل.
- تنمية المؤسسات وبناء المنظومة الوطنية للعلم والتكنولوجيا والمعرفة.
- الاهتمام بالتدريب والتعليم المهني القادر على تخريج حرفيين وفنين اكفاء ومقتدرين .
- ونخلص بنتيجة أن من المؤشرات الهامة على قدرة المجتمعات في اكتساب المعارف والعلوم هي ما تصرفه على البحث العلمي والتطوير، مقاساً بقيمة المقدرة لكل فرد من السكان من الناتج المحلي الإجمالي.
شكرا لهذه المعلومات القيمة ارجو منك ارسل عنوان البحث كامل لستفيد من في بحثي
ردحذفكل الشكر على مرورك الكريم ...
حذفلا يسعني إلا أن اقدم كبير شكري وعظيم امتناني لتقديمكم هذه المعلومات الرائعة وطرحكم الرائع لهذا الموضوع متمنيا منكم الإستمرارية في رفدنا بمثل هذه المواضيع والشروحات المفيدة مع تحياتي
ردحذفجزيل الشكر والتقدير على هذا الطرح الثمين
ردحذفالعلاقة بين التعليم والتنمية المستدامة تتجلى في تمكين الأفراد بالمعرفة والمهارات اللازمة لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية. ولا يجب أن ننسي أن التخصصات الحديثة التي ظهرت مؤخرًا مثل أنظمة الأمن الرقمية، تطوير الألعاب والأمن السيبراني لها أثر كبير في تعزيز الوعي وبناء مجتمعات أكثر تطورًا واستقرارًا.
ردحذف