الثلاثاء، 14 مايو 2013

علم النفس وتأثيره على الممارسات التربوية





* بحث خاص - محمد ابو سليم

تتعلق ظاهرة التعلم بكل ما يستفيد الإنسان عن طريق خبراته وتجاربه وتفاعله مع الآخرين وما يكتسبه من معارف ومعلومات ومهارات وعلوم وميول واتجاهات وسلوك اجتماعي ,وما يكونه من مدركات .

ويمكن ان يكون تعلم الكائن البشري سريعا او بطيئا, او يكون في الاتجاه السليم او غيره .وعملية التعلم ضرورية للإنسان لأنه بحاجة لها , فهو من خلال مراحل حياته محتاج للتعلم والتدريب والإعداد لمدة أطول عند مقارنتها مع المدة التي تحتاجها بقية الكائنات الحية .   
                                                       
وقد تناول علم النفس ظاهرة التعلم , وركز على معرفة أحسن الطرق التي يتم بواسطتها , وأقلها استنفاذا للجهد . ودرس العمليات الرئيسة التي يتكون منها , والشروط التي تتعلق بالتعليم في ظروف مختلفة , ودورها في تحقيق تعليم مثمر .

علاقة علم النفس بالممارسات التربوية :

عند تناول عملية التعلم فإن من المهم معرفة دوافع المتعلمين وميولهم واهتماماتهم ,  ومن المهم ايضا تناول عمليات النمو المختلفة , لأن التعلم لا يقتصر على التدريب العقلي بل لا بد من الاهتمام بالإنسان ككل من جميع جوانب شخصيته النامية .

وبناء على ما تقدم يمكن تعريف التعلم بأشكال كثيرة مختلفة منها :
  1. تعريف وورد ورث " إن التعلم هو نشاط يقوم به الفرد يؤثر في نشاطه المقبل "
  2. تعريف جلفورد " إن التعلم هو أي تغيير في السلوك ناتج عن استشارة "
  3. تعريف من " إن التعلم هو عبارة عن عملية تعديل في السلوك والخبرة "       

                                           
إن فهم عملية التعلم من المشاكل التي يواجهها العاملون في ميدان علم النفس وميدان علم التربية . فلا عجب إن تناول هذه القضية كبار علماء النفس بالبحث , علهم يكشفون طبيعتها الغامضة . ومع ذلك فلا يزال الغموض يلفها إلى حد كبير .

التربية في القرن التاسع عشر :  

 ازداد  في هذا القرن الاهتمام بالأسس النفسية للعملية التعليمية – التعليمة والتركيز في المناهج بصورة واضحة على التربية القومية . وقد كانت النزعة السيكولوجية – كالنزعتين العلمية والاجتماعية – وليدة روسو الطبيعة أما خواصها فكانت متشابهة مع الحركتين العلمية  والاجتماعية اللتين سادتا في هذا القرن . وقد تميزت النزعة السيكولوجية كما يلي :  
  1. تطبيق مبادئ روسو في أصول التدريس , عن طريق تنمية القوى والقدرات والطاقات الكامنة في  الإنسان، وليس بحشو المعلومات في عقول الأطفال , لما يؤكد أهمية الأخذ بعين  الاعتبار حاجات الأطفال وميولهم وقدراتهم عند تربيتهم .
  2. الاهتمام بالتربية الابتدائية باعتبارها القاعدة الأساسية في التربية والتعليم وحقا طبيعيا يجب أن يتمتع به جميع الأفراد .
  3. التركيز على عملية إصلاح شؤون التعليم وأساليبه . 
  4. تنمية القوى الكامنة عند الإنسان بشكل منظم ومتناسق .
  5. الاهتمام بدراسة العقل البشري وطرق التفكير على أسس علمية , وجعل هذه الدراسة منطلقا للتربية الحديثة .   


ويعتبر بستالوزي وهربارت وفروبل قادة للنزعة السيكولوجية العلمية .

أما النزعة العلمية الحديثة  فقد كانت بذورها مأخوذة عن التربية الواقعية ، فلو تتبعنا نشوء الحركة العلمية في عصر بيكون ألى أوائل القرن التاسع عشر , لوجدنا أن هناك عدة عوامل أثرت على تطورها متمثلة في النزعة الطبيعية التي قدرت أهمية دراسة الطبيعة , والنزعة السيكولوجية , والعلوم البيولوجية والطبيعية التي قدرت أهمية دراسة الطبيعة , والنزعة السيكولوجية و والعلوم البيولوجية والطبيعية الى ان جاء القرن التاسع عشر وهو عصر العلوم .


ومن مميزات النزعة العلمية الحديثة التي كان من أشهر قادتها سبنسر ما يلي : 

أولا : الاهتمام بمادة الدرس ودراسة المشاهد والمظاهر الطبيعية .
ثانيا : الاعتراف بقيمة الطريقة الاستقرائية في دراسة الطبيعة . 

 كما ان الناس في هذا القرن بدأوا يشعرون بأهمية إدخال اللغات العصرية الحية إلى المناهج , لما لها من علاقة بحياة الانسان العملية , وأخذوا يقدرون أهمية العلوم الطبيعية بسبب الاكتشافات والاختراعات وتطبيقها في الحياة العملية , فتغير شكل الثقافة التي تقتضيها الحياة العصرية الحاضرة . وللنزعة العلمية الحديثة الفضل الأكبر في ادخال العلوم في المناهج الأولية والثانوية والعالية , وقيام علم النفس على اسس علمية حديثة .

التربية في القرن العشرين :   

أطلق على التربية في مطلع هذا القرن اسم " التربية الحديثة أو الجديدة "  , وأهم المبادئ  السيكولوجية الأساسية  للتربية الحديثة هي :                                            

1- تقدم التربية على التعليم : لقد أولت التربية القديمة عناية خاصة لكسب المعرفة , فجعلت اهتمامها الأول تقديم المعلومات للمتعلمين . إلا أن التربية الحديثة تعتبر أن التعليم جزء من التربية العامة , وأن هدف المدرسة هو التربية أي تكوين  الطفل تكوينا متكاملا بحيث لا يغدو فقط أكثر علما ومعرفة , بل أكثر نضجا ونموا وتفتحا , واقدر على التفكير والمحاكمة , وأكثر امتلاكا لوسائل التعليم وأدواته من خزن المعلومات الجديدة التي لا تلبث  أن تنسى , مع أهمية معرفة أساسيات المعرفة وهكذا أكدت التربية الحديثة على أن المعرفة وحدها لا تحقق النجاح لأنها لا تحقق لصاحبها روح المبادرة والإبداع ولا تزوده بحس التنظيم وروح القيادة .

2- استناد التربية إلى علم النفس : لا أحد ينكر استناد التربية القديمة إلى علم النفس , لكنها استندت إلى علم النفس القديم الذي كان معروفا في ذلك الوقت , والذي كان علما نفسيا يركز على الملكات العقلية بالدرجة الأولى ,مما أدى إلى إهمال النوابض العاطفية التي تسير حياة البشر , وإهمال أثر البيئة المحيطة على الطفل . بينما أكد علم النفس الحديث الدور الأساسي الذي يلعبه الاهتمام  والميل والفروق  في حياة الإنسان , وانعكس هذا على التربية الحديثة فغدت اهتمامات الطفل وميوله والفروق الفردية عند البشر محورها ورائدها , وانطلقت من دوافع الإنسان وحاجاته .

3-الطفل محور التربية :أكدت التربية الحديثة  على أهمية الانطلاق من الطفل نفسه ومن قابليته  وميوله وطباعه ومقومات شخصيته  , فهو المركز الفعلي للعملية التربوية . بعكس التربية التقليدية التي جعلت مركز الثقل في العملية التربوية ليس الطفل نفسه  بل المناهج والمعلم  والامتحانات  والنظام المدرسي , فأصبحت هذه كلها غاية التربية بدلا من الغاية المركزية وهي تكوين شخصية الطفل . لذلك نادت التربية الحديثة كما فعل  كلاباريد بثورة كوبرنيكية  في التربية , وهذا  ما نادي به جون ديوي أيضا في كتابه ( المدرسة والمجتمع ) .

4-الاستقلالية : لقد امتازت التربية التقليدية في أنها تقوم على مبدأ السلطة , فالطفل متلق وعليه قبول ما يصدر من المعلم دون إبداء رأيه  في ما يتعلمه , ولكن التربية الحديثة تقوم  على مبدأ الحرية , والاستقلال في التفكير والنقد من خلال الحوار , فالمعلم والمتعلم عبارة عن حدين متكاملين .      

وقد نادى بالاستقلالية الذاتية معظم رواد التربية الحديثة وعلى رأسهم جون ديوي في كتابه ( الخبرة والتربية ).  

ويجب علينا ان لا نخلط بين الاستقلالية والفوضى  , فالاستقلالية لا تعني التمرد على القوانين  والقواعد المرعية , وتقول ( هيلين باركهرست ) صاحبة طريقة دالتون ما معناه : ان الطفل الذي يفعل ما يروق له ليس بالطفل الحر بل هو على العكس معرض لأن يصبح عبدا لعاداته السيئة , ويقول فيريير : إن إدخال الاستقلال الى المدرسة يحرر الطالب من وصاية الراشد  الشخصية ليضعه تحت وصاية ضميره الخلقي . ويؤكد الكثير من المربين على أن الحرية هي الخضوع للقانون , فالقانون نظام عقلي فلا استقلال في سلوك لا يسيره العقل.

إن مفهوم الاستقلالية في المدارس الحديثة يتم تشجيعه من خلال الفعاليات الفردية وحرية اختيارها مما يضع الأساس للابتكار والإبداع.

وتحقيق مفهوم الاستقلالية الجماعية عند الأطفال يكون من خلال مساهمتهم  في الأنشطة الجماعية كالتجمعات الصيفية او الحياة الداخلية في المدرسة , وتوفير بيئة طبيعية باعتبار أن الطبيعة خيرة كما أكد ذلك روسو وبستالوزي , فهما يشجعان المدارس الداخلية والاختلاط بين الجنسين .

ولكن موقف المربين المحدثين ليس واحدا في هذه القضية فالبعض من أنصار التربية التقليدية  يدعم الرأي القائل بانفصال الجنسين ولا سيما في فترة المراهقة . غير أن فريقا آخر يؤكد على ضرورة حرص التربية الحديثة على فكرة التربية المختلطة في المدرسة , هذا ما تؤيده خبرات المربية اليزابيث هوجنان في المدارس الحديثة المختلطة وبادلي مدير مدرسة بيدال.

5-تربية فردية وسط روح جماعية: تتضمن التربية الحديثة مطلبين يبدوان لأول وهلة وكأنهما متعارضان . فترى أن تكون التربية فردية تتيح للفرد تحقيق كل إمكانياته  التي  تميزه عن سواه , فنجد المدارس الحديثة  تتيح للفرد الحرية في اختيار النشاط الذي يناسبه واختيار مواد الدراسة التي سوف يتعلمها . وما وظيفة المدرس الا التوجيه والإرشاد فقط . ورغم ذلك  فإن المدارس الحديثة تسعى لتنمية الروح الجماعية بين الطلاب لمحاربة الأنانية , فتشجعهم على العمل التعاوني المدرسي بمختلف مجالاته.

6-توفير جو الثقة والتفاؤل : تنزع المدارس الحديثة الى إقامة جو من الثقة المتبادلة بين الطلاب ومعلميهم , كذلك الثقة المتبادلة بين الطلاب أنفسهم . مما يفسح المجال للتفاؤل والانطلاق دون خوف في المجهول , فتكون بذلك قد ساهمت في محاربة الإتكالية والانهزامية .(الرشدان ,جعنيني ,2002) .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق