الاثنين، 7 أكتوبر 2013

إسهام بعض المتغيرات فى تنميّة "قيم المواطنة" لدى الاطفال الموهوبين وغير الموهوبين ،،




* اعداد محمد ابو سليم

 دراسة علميّة للباحثة الدكتورة ناهد فتحي احمد – (قسم علم النفس في كلية الآداب/ جامعة المنيا)، وتتضمن الدراسة عدّة موضوعات منها : (المواطنة - الاطفال الموهوبين - الاطفال غير الموهوبين - المتغيرات النفسية - الفروق الفردية - الجوانب النفسية - الجوانب الاجتماعية - الجوانب الاقتصادية - العلاقات الاسرية - الصحة النفسية - العصبية السياسية - التعصب الدينى - التغيرات الفسيولوجية - التربية الوطنية) .

ملخص موجز عن موضوع الدراسة :

تهدف الدراسة الراهنة إلى تحديد أهم جوانب وقيم المواطنة التي يجب تنميتها لدى الاطفال الموهوبين وغير الموهوبين ، والمعوّقات المدّركة من قبل هؤلاء الاطفال من ناحية واستكشاف مدى اسهام بعض المتغيرات النفسية ذات الصلة المباشرة مثل:

(المناخ الأسري، وتقدير الذات، والصحة النفسية)، في التنبؤ بهذه القيم لدى الاطفال الموهوبين وغير الموهوبين من ناحية أخرى، فضلاً عن الكشف عن الفروق بين الاطفال الموهوبين وغير الموهوبين في قيم المواطنة وفقاً لهذه المتغيرات الثلاثة .

وتكونت عيّنة الدراسة من (127) تلميذاً وتلميذة،( 69 من غير الموهوبين و58 من الموهوبين) في المرحلة العمرية من ( 9-12) عاماً.

واستخدمت الدراسة أدوات مختلفة مثل: (استمارة البيانات الاساسية، مقياس قيم المواطنة،مقياس الصحة النفسية، مقياس العلاقات الاسرية والتطابق بين الاسرة، مقياس تقدير الذات ، مقياس خصائص الموهبة، اختبار رآفن للمصفوفات المتتابعة الملون، بطارية اختبار تورانس( الجزء ب الشكلي) .

وأشارت النتائج الى وجود خمسة جوانب و (40) قيّمة من قيم المواطنة يجب تنميتها لدى الاطفال الموهوبين وغير الموهوبين ، ووجود ثلاث فئات من المعوّقات المدّركة من قبل هؤلاء الاطفال، كذلك أمكن التنبؤ من خلال المناخ الأسري وتقدير الذات والصحة النفسية بقيم المواطنة لدى كل من الاطفال الموهوبين وغير الموهوبين كما وجدت ايضاً فروق بين الاطفال الموهوبين وغير الموهوبين في قيم المواطنة وفقاً لهذه المتغيرات الثلاثة .


ملخص عن المجال الذي تناولته الدراسة :

 بحثت هذه الدراسة في مجال (تنميّة قيّم المواطنة لدى الاطفال الموهوبين وغير الموهوبين)،  وإسهام بعض المتغيرات النفسية مثل المناخ الأسري، وتقدير الذات، والصحة النفسية، في التنبؤ بهذه القيم لدى الاطفال الموهوبين وغير الموهوبين.

واعتبرت الدراسة أن مرحلة الطفولة من أهم المراحل لغرس المفاهيم والمعارف والقيم وخاصة بما يتعلق بالوطن من وطنية ومواطنة، وذلك لترسيخها في مرحلة الطفولة وتنشئة الطفل عليها وجعلها عنصراً مكوناً في بناء شخصيته .

وأكدت الدراسة أن تنمية قيم المواطنة لدى الاطفال من أهم سبل مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين، حيث أن التقدم الحقيقي للوطن في ظل التحديات الجديدة تصنعه عقول وسواعد المواطنين .

وبناء على ذلك فإن إكساب قيم المواطنة يُعد ركيزة أساسية للمشاركة الايجابية والفعّالة .

وتكمن أهمية هذه الدراسة، بتناولها لقضية مهمة من القضايا الحيوية في حياة المجتمعات وهي قضية "المواطنة" التي تسعى جميع الامم والشعوب الى ترسيخها في نفوس اطفالها وذلك لبناء الطفل الفعّال بناءاً وطنياً قوياً من خلال غرس القيم والمفاهيم الموجبة لديه منذ الصغر خاصة قيم المواطنة .

فضلاً عن محاولة الاستجابة لما أوصت به بعض الدراسات والبحوث العلمية من أهمية دراسة قضية المواطنة، وذلك من اجل الوصول الى بعض الآليات التي من شأنها أن تدعم وتعزز السلوكيات الايجابية لدى الطفل .

وقد تعرضت الدراسة الى الحديث عن غياب بعض القيم من الحياة الاجتماعية التي انعكست على التربية، ولوحظ تنامي لنزعات التعصّب السياسية والمذهبية والمجتمعية التي تلغي الحوار والتفاهم وقبول الآخر .

واستنتجت الدراسة أن هناك العديد من قيم المواطنة التي يجب تنميتها لدى الاطفال فضلاً عن وجود ثلاث فئات من المعوقات، كما هناك العديد من المتغيرات النفسية التي من شأنها ان تلعب دوراً اساسياً في تنمية وغرس قيم المواطنة الايجابية والصالحة لدى الاطفال منها المناخ الأسري السويّ وتقدير الذات الايجابي وتمتع الطفل بقدر مرتفع من الصحة النفسية .

وكما يعد المناخ الأسري من أكثر المنبئات بقيم المواطنة لدى الاطفال الموهوبين وغير الموهوبين .

وأوصت الدراسة المقدمة بعدد من التوصيات على المستوى النظري والتطبيقي نوجزها كالآتي:

أولاً :
إن أولى واجبات الاسرة هي تعليم الاطفال المسؤولية وواجباتهم وحقوقهم وثقافة المواطنة ومعاير السلوك، واذا لم تستدرك الاسرة نقاط الضعف فيها وتعالج ما بها من اختلالات ستفقد وظيفتها، بل سوف تؤدي دوراً سلبياً يدفع الطفل الى العنف والانحراف .

ثانياً :
لا بد من التكامل والتظافر بين أدوار المؤسسات التربوية كافة (الأسرة، المدرسة، دور العبادة، والمكتبات ووسائل الاعلام)، في نشر ثقافة المواطنة وغرسها لدى الاطفال .

ثالثاً :
لكي تتحقق المواطنة بما لها من حقوق وما عليها من واجبات، فمن الضروري ألّا يكون هناك تعارض بين صالح الفرد وصالح المجتمع .

رابعاً :
عمل دورات تدريبية للقائمين على رعاية الاطفال من آباء ومدرسين وغيرهم لمساعدتهم في كيفية تربية الأطفال على قيم المواطنة والوطنية والانتماء .

خامساً :
تصميم برامج تدريبية لتعليم وتعريف الاطفال بقيم المواطنة ومسؤولياتهم وواجباتهم وكيفية ممارسة ثقافة المواطنة .

سادساً:
اجراء مزيد من البحوث في هذا المجال على المستوى المحلي والعربي لندرة التوجه الى مثل هذه الابحاث التي اجريت على المواطنة وقيمها خاصة في علاقتها بالمتغيرات النفسية والشخصية وفي مراحل عمرية مختلفة .

وأخيراً يجب ألّا يتوقف تعليم الطالب "المواطنة" عند مرحلة عمرية معينة، إنما لابد وتسلسلها حسب مستوياتها المختلفة وعلاقتها بالمستويات العقلية والعمرية للطالب .


الثلاثاء، 18 يونيو 2013

التعلّق بين الطفل والأم وأثره على الشخصية ؟




*بحث خاص / محمد ابو سليم


أثار مفهوم التعلق اهتمام العديد من الباحثين والمهتمين بنمو الطفل وتنشئته الاجتماعية أمثال (فرويد ,وبولبي ,واينزروث ,وهارلو , ولورنز)  وغيرهم، ويعد التعلق في مرحلة الطفولة موضوعاً شديد الأهمية  لأنه يمثل نقطة انطلاق لحياة الطفل الاجتماعية وارتباطاته العاطفية مع الآخرين ويساعد الطفل على تكوين توقعات أولية عن سلوك الراشدين وتعاملهم معه خلال حياته المستقبلية .

افتراضات العالم بولبي حول التعلق بين الطفل وأمه :

مفهوم التعلق عند بولبي : يرى بولبي (bowlby) أن التعلق يمثل علاقة اجتماعية عاطفية دائمة مع شخص راشد , وان الطفل الذي يتمكن من تشكيل هذه العلاقة يحظى باحتمالات  عيش كبيرة .ورغم أن الأم هي المرشحة الأولى لتكون موضوع التعلق ,فقد لا تكون كذلك بالضرورة.                                                           
                                             
فموضوع التعلق قد يكون أي شخص يتعامل مع الطفل بشكل متكرر ويتصف بأنه شخص سريع الاستجابة لحاجات الطفل ويغدق عليه الرعاية والحنان .

النظرية التطورية :

إن صاحب هذه النظرية هو الطبيب النفسي البريطاني جون بولبي (( john bowlby  الذي كلفته منظمة الصحة العالمية عام 1950 بدراسة الصحة النفسية للأطفال الذين حرموا من أمهاتهم ووضعوا في مراكز خاصة للرعاية  وقد ظهرت الحاجة إلى ذلك بسبب فقدان الكثير من الأطفال لأسرهم إثناء الحرب العالمية الثانية .                                                                                                                      

درس بولبي من عدة مصادر معلومات عن الأطفال الذين فقدوا والديهم أو فصلوا عنهم لفترات طويلة . ومن هذه المصادر سجلات ملاحظة في المستشفيات ودور الحضانة والميتم، كما اطلع على تقارير لمقابلات علاجية لمراهقين أو راشدين يعانون من متاعب نفسية أو انحرافات سلوكية، توصل بولبي إلى وجود نمط من السلوكيات المتشابهة لدى الأفراد الذين تمت ملاحظتهم أو دراستهم، إذ ظهر الأطفال لدى انفصالهم بداية هياجاً وخوفا شديداً , ومرت بهم نوبات بكاء شديدة , ثم حاولوا الهرب من المكان الذي وجدوا فيه وبعد ذلك تعرضوا لمرحلة من اليأس والاكتئاب، وإذا استمرت حالة الانفصال ولم يتم تكوين علاقات اجتماعية مستقرة يصبح الأطفال غير مبالين بالآخرين . وقد سمى بولبي هذه الحالة من عدم الاكتراث ب (اللا تعلق).

حاول بولبي تفسير ظاهرة الانزعاج الناتجة عن الانفصال عن الوالدين , متبنيا من أجل ذلك وجهة نظر تطورية، واعتمد في ذلك على دراسة العلاقة بين صغار القردة وأمهاتها، إذ ان هذه الصغار تمر بفترة طفولة طويلة تكون خلالها ضعيفة وغير قادرة على العناية بنفسها أو الدفاع عنها أمام الأخطار المحدقة بها فلا بد أن تبقى قريبة من أمهاتها لتحافظ على بقائها, وتشبع حاجتها إلى الأمن، وفي مقابل حاجة القردة إلى القرب من أمهاتها تظهر رغبة ملحة لديها لممارسة أنشطة تبعدها عنها مثل الاكتشاف واللعب، ومن أجل التوفيق بين حاجة الصغار للأمن وحاجتها للاستكشاف واللعب , اقترح بولبي وجود "ميكانيزم" يقوم بوظيفة تحقيق التوازن بين هذه الحاجات المتعارضة وسماه ( التعلق ) .

أشار بولبي إلى ان التعلق نظام تحكم متقدم يتطور خلال السنة الأولى من العمر وينتج نوعا من التوازن الدينامي بين الأم وطفلها، فعندما تصبح المسافة بينهما طويلة يقوم أحدهما بسلوك ليقصرها لذا فإن التعلق يزود الطفل بالشعور بالأمن وتكون الأم هي المصدر الذي يزود بهذا الأمن  وعندما يقوم الطفل بمحاولات التعلم والاستكشاف يعود إلى هذا المصدر ليتقرب منه ويطمئن إلى وجوده، قبل إن يستأنف لعبه واستكشافه مرة أخرى ولعل قوة الطفل تكمن في ضعفه وحاجته إلى الرعاية، وان مساق التطور الإنساني يؤدي إلى ظهور سلوكيات لدى الأطفال مثل سلوك المناغاة والمص والبكاء والابتسام تجلب لهم العناية من الكبار .

ويؤكد بولبي أن التعلق يتطور خلال الأشهر الأولى من عمر الطفل متأثرا بالتطورات الإدراكية والمعرفية التي تطرأ على الطفل، إذ تبدأ العملية بتطور قدرة الطفل على التمييز بين الأشخاص المختلفين والاستجابة إلى أعضاء عالمه الاجتماعي وخلال هذه الأشهر تبدأ العلاقة الحميمة بين الأم والطفل بالتشكل إذ تستغل الأم حالات النشاط واليقظة عند الطفل، فتبتسم له وتتحدث إليه وتلاعبه , ويبدأ هو بالاستجابة لها من خلال إطالة  النظر إلى وجهها وإبداء علامات الفرح والارتياح .

وإذا لم تقم الأم بذلك حتى عمر ثلاثة أو أربعة أشهر فسيبدأ الطفل بالشعور بالانزعاج ويظهر عليه ذلك من خلال النظر بعيداً عن الأم وأحيانا البكاء، وتشكل هذه التفاعلات أساسا لاتصالات أكثر تعقيداً، وتطور لدى الطفل الثقة بأن أمه ستستجيب له على نحو متوقع وأكيد .

وفي عمر سبعة أو ثمانية أشهر يكون الطفل قد حدد موضوع التعلق وتكون عادة الأم ،وصار ينظر إليها على أنها شخص مميز وعزيز يبتسم لها ويتقرب منها أكثر من غيرها، وتصبح مصدراً اجتماعياً وانفعالياً مستقراً، وصار الطفل قادرا على استكشاف عناصر بيئته الجديدة وأثناء ذلك يعاود النظر إلى أمه ليطمئن إلى أنها موجودة، ويشير هذا السلوك إلى انه أصبح لدى الطفل "تمثيلات عقلية" للام , وصار يفهم أنها ستكون موجودة عندما يحتاج إليها وهذا مؤشر على انه نما عقلياً .

تتطور عادة روابط التعلق بين الطفل والأم أولا , ثم يحدث التعلق بين الطفل والأب ولكن بطريقة مختلفة فدور الأب في معظم الثقافات شريك لعب ولا يقدم العناية والتغذية , وغالبا ما يكون لعب الآباء مع الأبناء جسديا ,بينما تقضي الأمهات وقتا أكثر في القراءة للأطفال والتحدث معهم وعرض الألعاب عليهم . لذا فان تعلق الأطفال بالآباء يختلف عن تعلقهم بالأمهات .ففي حين يفضل الطفل اللعب مع والده ,  فهو يلجأ إلى والدته عندما يشعر بالانزعاج والخوف .

وخلاصة مفهوم التعلق عند بولبي : أن التعلق عبارة عن نظام تحكم متقدم يتطور خلال السنة الأولى من عمر الطفل .

افتراضات اينزورث (Ainsworth)حول أشكال التعلق :

تعد م ماري آينزورت (mary  ainworth )من أبرز من أسهم في البحث في مجال التفاعل بين الطفل وأمه، إذ أجرت العديد من الأبحاث في الأعوام (1962 ,1978 ,1982 , 1993 ) في إفريقيا والولايات المتحدة لاحظت فيها العلاقة بين أزواج من الأطفال وأمهاتهم( طفل + أم)

أظهرت نتائج الدراسات أن هنالك أنماطا متسقة ومتمايزة نوعيا للطريقة التي يتفاعل فيها الأطفال مع أمهاتهم خلال السنة الثانية والثالثة من العمر، وبينت دراساتها أن معظم الأزواج المكونة من الأمهات والأبناء الذين لاحظت سلوكهم استطاعوا أن يتوصلوا إلى علاقة مريحة  وآمنة مع نهاية السنة الثالثة , ولكن بعض هذه العلاقات  اتصفت بالتوتر الدائم وشابها كثير من الصعوبات في تنظيم أنشطة مشتركة .

ابتكرت آينزورت طريقة لدراسة علاقات التعلق مستخدمة إجراءات وصارت تعرف بالموقف الغريب (strange situation)  وهدفت هذه المنهجية لملاحظة الاختلافات في استجابات الأطفال نحو شخص غريب عندما يكونون مع أمهاتهم , وعندما يتركون وحدهم, وعند عودة أمهاتهم لهم وقد بررت ذلك في إن الاختلاف في أنماط ردود الفعل يعكس أنواعا مختلفة من علاقات التعلق . 

يتكون الموقف الغريب من ثلاثة مواقف فرعية يستمر كل منها لمدة ثلاث دقائق . ويمكن عرض إجراءات الموقف الغريب في خطوة متسلسلة على النحو التالي : 

1.يقوم المجرب بتعريف الأم وطفلها على الغرفة التي ستتم فيها التجربة ثم يغادر .
 2.يسمح للطفل باستكشاف غرفة اللعب لمدة ثلاث دقائق في حين تراقب الأم الطفل دون أن تشارك .                                                         
3.دخل شخص غريب إلى الغرفة ويبقى صامتا لمدة دقيقة , ثم يتحدث الى الطفل لدقيقة , ثم يقترب من الطفل وتغادر الأم بشكل خفي .          
4.لا يلعب الغريب مع الطفل ولكن يحاول أن يجعله مرتاحا عند الضرورة 
5. تعود الأم بعد ثلاث دقائق , وتطرح التحية , وتداعب الطفل .  
.وعندما يعود الطفل إلى اللعب تغادر الأم ثانية وتقول هذه المرة عند مغادرتها _ (bye-bye) . 
6.يحاول الغريب أن يهدئ الطفل ويلعب معه.  
7.ثلاث دقائق , تعود الأم ويغادر الغريب .

وتتم خلال ذلك ملاحظة الطفل وتسجيل "استجابات" أي تسجل ردود فعل الطفل للانفصال عن الام وعودتها اليه وقد أظهرت دراسات "آينزورت" وجود أربعة أنماط رئيسة للتعلق هي كما يلي :

1.التعلق الآمن : قد يبكي الطفل وقد لا يبكي عندما تغادر الأم . ولكن عندما تعود ,فإن الطفل يريد أن يبقى معها ، وإذا كان يبكي فإنه يتوقف . ولسان حاله يقول لقد افتقدتك  كثيرا , ولكن بما أنك عدت فأنا الآن بخير.

2.التعلق ألتجنبي : لا ينزعج الطفل عندما تغادر الأم , وقد يتجاهلها عندما تعود ويشيح بوجهه عنها . ولسان حاله يقول لقد تركتني  مرة أخرى ,علي دائما ان اعتني بنفسي .

3.التعلق المقاوم : ينزعج الطفل عندما تغادر الأم ويبقى منزعجا وغاضبا وعندما تعود , ويكون من الصعب تهدئته .ولسان حال هذا الطفل يقول لماذا فعلت ذلك ؟ انني بحاجة ماسة إليك ومع ذلك فعلتها مرة أخرى دون تحذير . إنني اغضب كثيرا عندما تفعلين ذلك .

4.التعلق غير المنظم : يكون الطفل مرتبكا عندما تغادر الأم وعندما تعود يبدو أنه لم يفهم ماذا حدث . تظهر على وجه الطفل نظرة استغراب ولسان حاله يقول : ماذا يجري ؟ أريدك معي ولكنك غادرت ثم عدت مرة ثانية , لا أدري هل ابكي ام اضحك .
ومن جدير الذكر أن أنواع التعلق الثلاثة الأخيرة هي تعلق غير آمن، كما أن التعلق الآمن وأنواع  التعلق غير الآمن موجودة في جميع الثقافات في العالم , ومن حسن الحظ أن التعلق الآمن هو الأكثر شيوعا لدى أطفال الأمم المختلفة لأنه يشكل القاعدة الأساسية للتطور الاجتماعي . وان الطفل الذي يتعلق بأمه تعلقا آمنا , يتعلق بأبيه تعلقا آمنا كذلك كما أن الأخوة لديهم عادة نفس نمط التعلق مع الوالدين.

وأشار الباحثون  إلى تطور التعلق الآمن قد يتوقف على العوامل التالية :

1. شخصية الوالدين .
2.مستوى الضغوط التي يتعرضان لها , والدعم الاجتماعي الذي يتلقيانه .
3.مزاج الطفل أو طريقة إدراك الأم أو من يقدم الرعاية للطفل لمزاج الطفل .

 تأثير خبرة تعلق الطفل الصغير بكل من أمه وأبيه في شخصيته عند الرشد:

يعد التعلق أول علاقة اجتماعية تتشكل عند الطفل. لذا فهي بمثابة حجر الأساس لجميع العلاقات الاجتماعية اللاحقة مع الآخرين , فالطفل الذي يمر بخبرات ثقة و حميمة في مرحلة الطفولة المبكرة ويطور تعلقا آمنا سيتفاعل مع إقرانه في مرحلة ما قبل المدرسة والمدرسة الابتدائية  بثقة ونجاح . أما الطفل الذي تكون علاقات التعلق لديه ليست ناجحة ولا مرضية ويطور تعلقا غير آمن ,فسيكون عرضة للمشكلات في تفاعله في مرحلة ما قبل المدرسة .

وقد تم دعم هذه التوقعات من خلال نتائج العديد من الدراسات .إذ أظهرت نتائجها ان الأطفال الذين طوروا تعلقا آمنا مقارنة بالأطفال الذين طوروا تعلقا غير آمن يتصفون بأنهم يمتلكون صداقات أكثر , ومهارات اجتماعية أفضل , ولديهم أصدقاء مقربون أكثر ومشاكل سلوكية أقل , ويبدو أن التعلق الآمن يزيد الثقة بالآخرين  ويحسن  مهارات التفاعل الاجتماعي  لدى الفرد , ويجعل الطفل أكثر استقلالية من ذوي التعلق غير الآمن .                                                                                           
أما الأطفال الذين يطورون تعلقا غير آمن فعلى الأرجح أنهم سيعانون من مشكلات سلوكية مثل العدوانية الزائدة والتمرد وعدم مسايرة الكبار  ونقص الكفاءة الاجتماعية . ويمكن أن تمتد هذه المشكلات إلى مراحل النمو اللاحقة 

إن هذه النتائج متسقة مع نظرية "اريكسون" التي تؤكد على تطوير الثقة في مرحلة الطفولة المبكرة أثناء تفاعل الطفل مع والديه مهمة ضرورية  ومتطلب للنمو السليم في المراحل اللاحقة . فمن الواضح أن التعلق الآمن هو الأساس العاطفي الذي يتيح للطفل فرص التوافق مع المطالب والتحديات المستقبلية , وانه يمكن ان يكون له تضمينات هامة في مستقبل الطفل ألنمائي .


إن الطفل الذي ترعرع في وسط مقبول وفي كنف والدين محبين ووجد دوما من يأخذ بيديه ويضمن له الأمن والطمأنينة خاصة في الظروف الصعبة ستعزز الثقة بنفسه عندما يكبر والقناعة بأنه سيجد دوما من يساعده في الحالات الصعبة. فالثقة القوية تنسحب على العالم الخارجي  وتنعكس على طبيعة علاقة هذا البالغ بالعالم من حوله.

الخميس، 13 يونيو 2013

التربية من أجل المواطنة في عصر الفضاء الالكتروني




اعداد محمد ابو سليم

 دراسة للمؤلف مراد وهبه والباحث في ( معهد الدراسات التربوية - جامعة القاهرة / مصر )
وتضمنت عدة موضوعات منها: (التربية - المواطنة - التكنولوجيا - تكنولوجيا الاتصالات - الانترنت - الهوية الثقافية - الغزو الفكري - حقوق الإنسان – الديمقراطية) .


ملخص موجز عن موضوع الدراسة :

تهدف هذه الدراسة الى مراجعة شاملة من قبل التربويين الى مفاهيم الانتماء والهوية، وتدعوا الى مراجعة بعض الأساليب في الثقافة السياسية للأطفال والشباب، في عصر يتصف بالسرعة وسيولة المعلومات، والتشابك والتعقد في نفس الوقت، وتزخر فيه الساحة العربية بالعديد من الثوارت وحركات الاحتجاج التي يتصدر فيها الشباب المشهد ويفرضون ارادة التغيير .

ويتسائل الباحث هل ثمّة فرق بين الهوية الثقافية والهوية القومية؟ ، ويطرح في مناقشته لهذا السؤال قضية المواطنة ويعرّفها بأنها شرط وجود الفرد في الدولة أو في المجتمع السياسي وهي التي تمنحه الاحساس بالهوية وتتيح له ممارسة حقوقه السياسية والاجتماعية فضلاً عن تفاعله مع القضايا العالمية بإعتباره مواطناً عالمياً يعيش في عالم مترابط متعدد الثقافات.

ويشير الباحث في الدراسة الى "حالة الأنومي" او ما يعرف بـ (الاضطراب الاجتماعي) الناجم عن إفتقاد المجتمع للقيم والمعايير التي تنظم عمل التفاعل الاجتماعي، مما أدى الى شيوع الإغتراب بين الشباب وضعف ثقتهم بما يقدم اليهم من ثقافة سياسية في اطار المناهج التعليمية .

وبينت الدراسة ان الفضاء الالكتروني والتطور في وسائل المواصلات والاتصال، غيّر حدود الوطن، ومفهوم الامة، وعناصر الهوية في عقول الأبناء كما غيّرت شبكات التواصل الاجتماعي مفهوم الأمة، فلم تعد محصورة في محددات ثقافية معيّنة كاللغة والدين والقيّم والآمال المشتركة بل اتسعت لتشمل العالم كله .


ملخص عن المجال الذي تناولته الدراسة :

تناولت هذه الدراسة جانب "التربية من اجل المواطنة في عصر الفضاء الالكتروني"، وأشارت الى ان ثورة الشباب فرضت على خبراء التربية مراجعات مهمة في مفاهيم الانتماء والهوية والمواطنة، اذ تشير "قيمة المواطنة" الى مجموعة من المثل المرتبطة بالديمقراطية وتتجلى في مجموعة من المبادئ والمواقف والمفاهيم السياسية التي لها ابعادها الفردية والاجتماعية فضلاً عن جوانبها المعرفية والوجدانية والاخلاقية .

وتعدد الدراسة المجالات التي تغطيها "قيمة المواطنة" والتي تتضمن مجموعة من القيم المرتبطة بالحياة والمجتمع، منها:

1.     مجال الحقوق المدنية .
2.     المجال السياسي .
3.     المجال الاجتماعي والاقتصادي .
4.     المجال الثقافي .

وتشير الدراسة شيوع عدة ظواهر ثقافية سلبية ساعد على انتشارها عجز النظم التعليمية عن مواجهتها بسبب محدودية الدور الذي فرضته عليها الانظمة السياسية، ولعل من ابرزها ظاهرة "الفصام الثقافي" حيث تفقد الثقافة فعاليتها لحدوث انقسام بداخلها بين مجموعة المثل والقيم الاجتماعية والسياسية التي يعلنها النظام التعليمي والتي من المفترض ان تنظم التفاعل الاجتماعي، وبين مجموعة القواعد والمعايير التي توجه السلوكيات على أرض الواقع .

وأوضحت الدراسة أن الفضاء الإلكتروني قد وفّر مساحة واسعة للأجيال الناشئة من حرية التعبير التي قد لا يجدونها في مدارسهم وجامعاتهم أو حتى مجتمعاتهم ، وطريقة اندفاعهم للتعبير عن آرائهم بمختلف الوسائل والأشكال، مسقطين كل التابوهات القديمة التي كانوا لا يجرؤون من قبل على مجرد التفكير فيها .

وذكرت الدراسة (المبادئ الرئيسية للتربية من اجل المواطنة)، منها :

·        إن التربية فعل سياسي، والسياسة فعل تربوي، ولا يمكن الفصل بين الإثنين فكلاهما يستهدف المواطن كفرد وكعضو في جماعة .

·        يخطئ من يظن ان "برامج التربية من اجل المواطنة" هي مجرد مجموعة من المعارف السياسية او الاجتماعية تقدم للطلاب في سياق المنهج الدراسي، بل هي مجموعة متكاملة ومترابطة من المهارات التي ينبغي على النظام التعليمي ككل ان يعمل على تنميتها وتهيئة المجال لممارستها من خلال مشاركة نشطة وفعّالة .

·        التربية من اجل المواطنة سوف تؤدي الى تغيرات ايجابية في اتجاهات الشباب وسلوكياتهم ومواقفهم مما يؤدي الى التقليل من انفصالهم وعزلتهم عن المجتمع .

·        تلعب التربية من اجل المواطنة دوراً مهماً في تطوير الحياة المدرسية، كتقليل العنف ورفع مستوى التحصيل .

·        ترفع التربية السياسية من مستوى وعي الشباب بالأزمات السياسية والديمقراطية في المجتمع والعالم بأسره .

·        هناك ثلاث مسارات أساسية للتربية من اجل المواطنة في ظل المتغيرات العالمية والمحلية وهي :

1.     المعرفة والفهم اللازمين للمواطن المثقف .
2.     تنمية مهارت البحث والاتصال .

3.     تنمية مهارات المشاركة والعمل المسؤول .

الثلاثاء، 21 مايو 2013

العلاقة بين التعليم والتنمية المستدامة في المجتمعات العربية



   


















بحث خاص / محمد ابوسليم

معظم أدبيات التنمية تُجمع على أن التعليم هو قلب التنمية وصلبها وأن نجاح التنمية في أي مجتمع يعتمد كثيراً على نجاح النظام التعليمي في هذا المجتمع، والتعليم مفتاح التقدم وأداة النهضة ومصدر القوة في المجتمعات .

ويعتبر التعليم والتنمية وجهين لعملة واحدة فمحورهما الإنسان وغايتهما بناء الإنسان وتنمية قدراته وطاقاته من اجل تحقيق تنمية مستدامة بكفاءة وعدالة تتسع فيها خيارات الحياة أمام الناس.

ويعدّ التعليم من أهم روافد التنمية وعناصرها المختلفة فالمجتمع الذي يحسن تعليم وتأهيل أبنائه ويوفر الموارد البشرية القادرة على تشغيل وإدارة عناصر التنمية، يساهم في بناء مجتمع قوي سليم يسوده الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي والاقتصادي.

من هنا ندرك أن هناك علاقة وثيقة بين التعليم والتنمية المستدامة والتي تمثل (التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية والتنمية البيئية)، لا تستطيع التنمية أن تحقق أي خطوة إلا إذا توفرت القوى البشرية المؤهلة، وبالتالي فإن عملية التعليم أو التعلّم بالأحرى هي أساس عملية التنمية المستدامة.

ويؤكد الخبراء والمختصون بأن إدارة التنمية المستدامة، وهنا نذكر"التنمية البيئية" وقضايا الطاقة (الطاقة المتجددة والغير متجددة)، لابد من أن تأخذ الجامعات دورها في البحث العلمي وتخريج أفواج قادرين على أن يديروا عملية الطاقة والبحث المستمر عن بدائل لهذه الطاقة وإلا لن تكون هناك تنمية مستدامة عندما تنفذ مصادر الطاقة في المستقبل .

عندما نتكلم عن "المجتمع"، يدور في الذهن بعض أسئلة مثل ما هي الوسائل لتوفير فرص عمل؟ و طريقة القضاء على البطالة المتفشية بالمجتمعات العربية؟ تأتي الإجابة بأن التعليم والتعلم هو السلاح الأقوى للقضاء على هذه المشاكل التي تؤرق المجتمعات العربية خصوصاً والعالم عموماً، وأيضاً لتنمية المواهب والقدرات وشحذ الهمم والأفكار والنهوض بالموارد البشرية التي تستطيع أن تفي باحتياجات العمالة المناسبة للخريجين من الجامعات والمعاهد المختلفة ، ولا بد من الإشارة هنا إلى مفهوم الاقتصاد المعرفي (Economy) ومفهوم (E Society) أي المجتمع الاقتصادي الذي يقوم على المعرفة والعلم .

وعلى ضوء ما تقدم فعملية التعليم والتعلم لها ارتباط وثيق الصلة بالتمنية المستدامة وهي استثمار بالبشر وللبشر، وقد ساعدت بحوث اقتصاديات التعليم على تحول جذري في الفكر التنموي التعليمي الذي يركز جل اهتمامه على تنمية قدرات البشر واعتبار التعليم هو محور التنمية الحقيقة وأداة تنمية قدرات البشر .

ويتضح لنا كيف أن التعليم هو الذي دفع بالإنسان إلى صلب العملية التنموية وجعله المكون الأهم في معادلة التنمية ورفع شعار" لا تنمية بلا بشر "، أي انه لا يمكن الاستغناء عن العنصر البشري في الإنتاج وفي النمو الاقتصادي، وإن الاستثمار في رأس المال البشرى هو أحد أكثر الوسائل فعالية للحد من الفقر وتشجيع التنمية المستدامة.

تقول حكمة صينية : إذا أردت الاستثمار لعام واحد فازرع الحنطة وإن أردت الاستثمار لعشر سنوات فازرع شجرة ولكن إن أردت الاستثمار مدى الحياة فازرع في الناس.

 لذلك يجب أن نهتم اهتمام كبير ومباشر بقضية التربية والتعليم والتدريب والتطوير حتى نحقق أهداف الأمة العربية والإسلامية بتنمية حضارية شاملة مستدامة .

بعد التأكيد على علاقة التعليم بالتنمية وتأثير المنظومة التعليمية الجيدة ببناء نهضة وتنمية مستدامة وحضارية راقية، ثمة أمور لا بد من الإشارة إليها في ارتباط وصلة بالتعليم بالتنمية، سنذكر في البداية الاستثمار في التعليم والذي يعد مدخلا عاماً للتنمية المستدامة لا بد منه.

 وسنلقي الضوء على مستقبل التعليم وطموحاته في المجتمعات العربية، ونختم بواقع التعليم في المجتمعات العربية ونبين الأزمة القائمة بين التعليم والتنمية المستدامة المطلوبة وما هي خطوات الحصول على مخرجات تعليمة قادرة على صنع تنمية مستدامة تغير من واقع الحال .


الاستثمار في التعليم مدخل للتنمية المستدامة :

في مجتمعاتنا العربية يبرز مظهر التخلف الاقتصادي والاجتماعي في ضعف الإمكانات المادية وانخفاض مستوى القدرات البشرية الضرورية في إحداث التنمية ، ويعد التعليم المطلب الأساسي والضروري لتحقيق التنمية المستدامة ، وان الاهتمام بتكوين الإمكانات والمهارات البشرية عن طريق التعلم والتدريب بهدف اكتساب المهارات والقدرات اللازمة للنهوض بالعملية التنموية والتي من خلالها يستمد النمو الاقتصادي قوته وحيويته ، فالشخص المتعلم لا بد من أن يكون منتج ويساهم في عملية التنمية .

ومن منطلق أهمية التعليم في صنع الحضارة وبناء الإنسان لا بد أن يحظى قطاع التعليم باهتمام كبير، وان توضع أسس وخطط انطلاقة النهضة التعليمية بمعطياتها ونتائجها سواء من حيث النوع والكمّ .

ويشكل التعليم محوراً أساسيا لكافة الخطط التنموية، كما انه ركيزة مهمة من مرتكزات التنمية المستدامة، بالإضافة إلى المهام الرئيسية الأخرى المرتبطة بالجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية .

وبتعريفنا لمفهوم ""الاستثمار في التعليم" ودوره في التنمية  فهو من أولويات وأساسيات التنمية الشاملة المستدامة الصحيحة.

إن مشاريع الاستثمار في التعليم النظامي والذي يشمل( التعليم الأساسي، الثانوي، الجامعي) والتعليم الغير نظامي (التدريب ومحو الأمية)، لا يمكن أن تنجح إلا إذا توفرت لها البيئة الملائمة  والمحفزة  إلى زيادة  التعليم كالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

وفي ضوء بحثنا عن دور الاستثمار في التعليم وتكوين رأس المال البشري، تظهر توليفة عامة تبين أهمية الاستثمار في التعليم ودوره الرئيسي في تحقيق النمو الاقتصادي وتخفيف الفقر وبالتالي الوصول إلى التنمية الشاملة المستدامة .

ولتحقيق نمو اقتصادي والقضاء على الفقر يأتي الاستثمار في الموارد البشرية من خلال التعليم جزء هام وأساسي  في بناء قدرات ومهارات بشرية فعالة في المجتمع .

و"يمثل الحرمان من التعليم، أول مراحل الحكم على البشر بالفقر، ويميل هذا الحرمان ليكون أقسى في حالة النساء والأطفال، ومن المؤكد أن قلة التحصيل التعليمي، ورداءة نوعيته، ترتبط بقوة بالفقر".


وفي معرض دراستنا لدور وعلاقة المجتمع مع المؤسسات التعليمية وتضافر جهود المؤسسات التعليمية في كافة مراحلها على تحقيق التنمية البشرية في المجتمعات على نحو يصبح الفرد وسيلة وهدف التنمية في الوقت نفسه.

وفي واقع الحال تظهر حقيقة الصلة بين الخطة التربوية والتعليمية والخطة الاقتصادية بأنها تكاد تكون مقطوعة، نظرا لضعف التواصل بين حاجات التربية والتعليم من جهة وحاجات التنمية الاقتصادية من جهة أخرى، وهي بمواصفاتها الحالية عاجزة عن ربط المدرسة بسوق العمل، حتى مدارس التعليم الفني القائمة لم تستطع تلبية احتياجات سوق العمل، وذلك لضعف المستوى العملي لخريجيها، وهو ما يجعل المدرسة بواقعها الحالي عاجزة عن إعداد الناشئة إعدادا جيدا لسوق العمل، والذي ينعكس سلباً على التنمية بشكل عام.

وقد توقعت دراسات وأبحاث سابقة أن يكون هناك تأثير تعليمي إيجابي على النتائج  الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل،حيث أكدت هذه الدراسات على العلاقة الايجابية بين التعليم الجيد والتنمية المستدامة.

مستقبل التعليم والتنمية المستدامة :

على هامش مؤتمر أقامته مؤسسة الفكر العربي يعنى بالتعليم ودوره في التنمية عام 2010م في بيروت  قال الأمير خالد الفيصل: "إن التنمية البشرية التي هي قوام التنمية المستدامة هي بالدرجة الأولى مسؤولية النظام التربوي والتعليمي، الذي ينبغي أن يتحمل مسؤولية التنمية المعاصرة والنهوض ـ في جهد جماعي ـ بمستقبل الأمة" .

في السياق العام للحديث عن مستقبل التعليم ودوره في التمنية المستدامة تطرح العديد من الأسئلة  منها : 

1) ما هي رؤيتنا لأنفسنا في حاضرنا ومستقبلنا وفي عصر العولمة؟ وما هي طموحاتنا تجاه فرص العولمة وتحدياتها ومكانتها، وهل سنكون في ركب القيادة أم من الدول التابعة؟ وكيف سنرى مستقبل الأجيال القادمة؟ وما هي التوجهات والخيارات لجعل الأجيال القادمة قادرة على النهوض ببلدانهم؟


2) وضع رؤى واستراتيجيات واضحة للأجيال التي تلينا هي محور ارتكاز الاستدامة في النمو الذي نصبو إليه، في عصر تكّمن تحدياته في تعليم الشباب وتأهيله، والتأسيس لدور هذا الشباب في إخراج المجتمعات العربية من حالة التهميش الاقتصادي والمعرفي والسياسي .

3) لن يكون هناك تنمية مستدامة إلا بقيادة الإنسان نفسه للتنمية الشاملة، هذا ما يؤكد عليه الخبراء والمختصون، من هنا يأتي التحدي التعليمي، وستكون الاستراتيجيات التي نسعى من خلالها لتحقيق طموحاتنا موجهة للدور الذي يضطلع به التعليم في إحداث تنمية شاملة.

ندرج بعض الاستراتيجيات التي من شأنها الرفع من سوية التعليم التنموي :

  1. مستقبل التعليم والتركيز على التخطيط والرؤى، فتكون نوعية التعليم تواكب التحولات والمستجدات العالمية.
  2. تعميم التعليم وتكافؤ الفرص.
  3. محفزّة للحراك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
  4. احتضان الكفاءات والبحث العلمي ذو النوعية العالية.
  5. التعلّم المستمر مدى الحياة.
  6. صقل المواهب والمهارات بتقنية المعلومات في عالم المعرفة.
  7. بناء القدرات وامتلاك أدوات الابتكار.


ومن هنا إن كانت مخرجات تعليمنا قادرة على التعامل مع تحديات العصر ومتطلباته المتجددة وعلى المنافسة في اقتناص فرص العولمة، ومواكبة المبتكرات العلمية والتكنولوجيا، يومئذ نقطف نتائج وثمار جهد التعليم في تحقيق النقلة النوعية والجذرية التي تهدف إليها التنمية الشاملة المستدامة .

أزمة التعليم والتنمية المستدامة:

في خضم التأكيد على أهمية التعليم ودوره الهام والرئيسي في التنمية المستدامة والإشارة إلى أن الاستثمار في التعليم مدخل ضروري للتنمية ، والتأكيد على مستقبلية التعليم التنموي المستدام وحفظ حقوق الأجيال القادمة ، لا بد من إن نتطرق إلى أن هناك على ارض الواقع أزمة واضحة بين التعليم من جهة والتنمية المستدامة من جهة أخرى، وما توصيف هذه الأزمة ومن المسئول عنها؟

إن البحث في " أزمة التعليم والتنمية المستدامة " يبين إن الأزمة قائمة على الجانبين، وعلى العلاقة بينهما - المتمثلة في التنمية الإنسانية، التي تستند بالضرورة إلى العلم والتعليم، باعتبارهما عماد التقدم ؛ فلا "التعليم" القائم تعليم عالي ؛ ولا " التنمية " الجارية مستدامة، أو إنسانية كما يؤكد كثير من الباحثين .

يذكر مدير الجامعة اللبنانية د. مجدي حماد أن ( الأزمة ليست " أزمة موارد مالية" وإلا لكانت المجتمعات العربية النفطية قد تغلبت عليها، بل إن " عقلية الشراء " السائدة في بعضها، نتيجة لهذه الوفرة الطارئة، قد تكون جزءاً من " الأزمة " لا من " الحل ") .


للتوضيح نعرض نموذجين مثالاً على ذلك  :

  النموذج الأول :ما نشر عن قائمة أهم (500) جامعة في العالم، التي تضمنت (7) جامعات إسرائيلية، ولم تكن بينها أية جامعة عربية، ليست هذه" الحقيقة " وحدها المؤلمة، إنما ما سطّره أحد كبار الأساتذة على صفحات" جريدة الأهرام " بشأن الشكوى من المعايير المستخدمة في التصنيف ؛ ثم إن التصنيف ينصب على شق واحد من مهام الجامعات وهو البحث العلمي  بينما إذا تم تجريد الجامعات من هذه المهمة تتحول إلى "مدارس ثانوية"!.

النموذج الثاني : إذ يعبر تعبيراً دقيقا عن" الأزمة" وعن خطورة " عقلية الشراء"، بعد هزيمة عام 1967 دفعت أحد " الزعماء العرب" من أهل الخليج العربي إلى طرح السؤال الآتي على "جمال عبد الناصر" : كم يبلغ ثمن القنبلة النووية؟! كان يطرح السؤال باعتباره يسعى إلى تقديم " الحل النهائي " للصراع العربي – الإسرائيلي"، مرة واحدة وإلى الأبد ! .


إن أزمة التعليم من منظور التنمية المستدامة ، ومن أي منظور آخر أيضا، تتجسد في ثلاثة أبعاد أساسية متكاملة ومترابطة :

1) فلسفة التعليم العالي، التي تحدد هدف العملية التعليمية : هل الهدف هو تخريج متعلمين، أم مثقفين، أم باحثين ومشروع علماء، بناءً على ذلك كيف يتم تحديد التخصصات – النظرية والعلمية والتطبيقية- واختيار مناهج التدريس.

2) المنظومة التعليمية والعلمية المتكاملة، التي تشمل التعليم بكافة مراحله وأنماطه : عام وعالٍ، مهني وفني، إلى جانب البحث العلمي والتطوير والتكنولوجيا،  والتأكيد على أهمية هذه المنظومة التعليمية والعلمية المتكاملة.

3) المنظومة المجتمعية، بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تحدد كلاً من فلسفة التعليم العالي، والمنظومة التعليمية والعلمية المتكاملة.


ونختم بالقول إن كانت هناك رغبة في إنجاح التنمية الشاملة المستدامة وردم الفجوة العلمية والنهوض بالمستوى العلمي لمخرجات التعليم في الجامعات علينا أن نعزز بعض الأمور على سبيل المثال:

  1. تعميم التعليم والإهتمام بجودته ومضمونه ومعايير قياسه.
  2. الاهتمام بالتدريب العلمي والتكنولوجي والتطبيقي، وبالتدريب المستمر وخلال العمل.
  3. تنمية المؤسسات وبناء المنظومة الوطنية للعلم والتكنولوجيا والمعرفة.
  4. الاهتمام بالتدريب والتعليم المهني القادر على تخريج حرفيين وفنين اكفاء ومقتدرين .
  5.  ونخلص بنتيجة أن من المؤشرات الهامة على قدرة المجتمعات في اكتساب المعارف والعلوم هي ما تصرفه على البحث العلمي والتطوير، مقاساً بقيمة المقدرة لكل فرد من السكان من الناتج المحلي الإجمالي.